الاستشراق اتجاه فكري يعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة وحضارة الإسلام والعرب بصفة خاصة، وقد كان مقتصراً في بداية ظهوره على دراسة الإسلام واللغة العربية، ثم اتسع ليشمل دراسة الشرق كله، بلغاته وتقاليده وآدابه، فالمستشرقون هم علماء الغرب الذين اعتنوا بدراسة الإسلام واللغة العربية، ولغات الشرق وأديانه وآدابه.
أهداف الاستشراق:
انطلق المستشرقون في دراستهم للإسلام من منطلقين كان لهما أبلغ الأثر في توجيه الدراسات الاستشراقية.
المنطلق الأول:
النزعة الصليبية التنصيرية التي خيمت على أذهان المستشرقين وغطت على أفكارهم، فجاءت دراساتهم في ثوب تنصيري، فقد ارتبط الاستشراق في جميع مراحله ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسات الكنسية التنصيرية.
المنطلق الثاني:
النزعة الاستعمارية السياسية المادية التي تهدف إلى بث النفوذ الغربي على البلدان الإسلامية، ونهب خيراتها وثرواتها.
ومن خلال ما سبق يمكن تلخيص أهداف المستشرقين والدراسات الاستشراقية في الآتي:
1. إفساد صورة الإسلام، بطمس معالمه، وتشويه محاسنه، وتحريف حقائقه، وتقديمه للعالم على أنه دين متناقض.
2. تشكيك المسلمين في دينهم، بإثارة الشبهات حول الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، لإضعاف صلتهم بهذا الدين وارتباطهم به.
3. إحياء النعرات القبلية، والعصبيات المذهبية، والنزعات الطائفية والعقائدية، وإثارة الخلافات، لتفريق وحدة المسلمين، وإضعاف روح الإخاء بين المسلمين، وإثارة اللهجات العامية وذلك بالتشكيك في اللغة العربية ومصادرها.
4. غرس المبادئ الغربية في نفوس المسلمين وتمجيدها، والعمل على إضعاف القيم الإسلامية وتحقيرها حتى يتم لهم إفساد أبناء المسلمين وتحللهم ثم توجيههم لخدمة مصالحهم.
5. إزالة الثقة بعلماء وأعلام الأمة الإسلامية، وذلك لقطع الصلة بين المسلمين وماضيهم، وفي المقابل تمجيد الشخصيات الغربية وتعظيمها ليسهل التأثير والانقياد لهم.
منهج المستشرقين في دراسة الإسلام والدافع من ورائه:
الدافع الذي دفع هؤلاء المستشرقين لدراسة الإسلام هو في الحقيقة العداء السافر لهذا الدين وللرسول صلى الله عليه وسلم، هذا العداء الذي بدأ منذ فجر الإسلام، فالمستشرقون ليسوا سوى امتداد لليهود والنصارى الذين بذلوا كل ما في وسعهم لطمس دين الإسلام، وإزالة معالمه من الوجود.
ولم تخفف من هذا العداء القرون المتطاولة، بل ظل يأخذ صوراً شتى وأشكالاً متنوعة، تعلن تارة وتخفي أخرى، وتظهر في ثوب الود والولاء تارة وتكشر عن أنياب العداء أحياناً، واشتدت هذه العداوة بعد الحروب الصليبية (1097- 1295م) التي كانت نقطة تحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي وبين الشرق الإسلامي.
فقد عاش المستشرقون في هذه البيئة المفعمة ببغض الإسلام وارتضعوا من لبانها، ولذا جاء منهجهم يحوي بين طياته كل دسيسة وشبهة تطعن في هذا الدين، وأبرز سمات هذا المنهج الذي درسوا الإسلام على أساسه:
1. تحليل الإسلام ودراسته بعقلية أوربية، فهم حكموا على الإسلام معتمدين على القيم والمقاييس الغربية المستمدة من الفهم القاصر والمغلوط الذي يجهل حقيقة الإسلام.
2. تبييت فكرة مسبقة ثم اللجوء إلى النصوص واصطيادها لإثبات تلك الفكرة واستبعاد ما يخالفها.
3. اعتمادهم على الضعيف والشاذ من الأخبار وغض الطرف عما هو صحيح وثابت.
4. تحريف النصوص ونقلها نقلاً مشوهاً وعرضها عرضاً مبتوراً وإساءة فهم ما لا يجدون سبيلاً لتحريفه.
5. غربتهم عن العربية والإسلام منحتهم عدم الدقة والفكر المستوعب في البحث الموضوعي.
6. تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه، ويصححون ما ينقله الدميري في كتاب الحيوان ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ، كل ذلك انسياقاً مع الهوى وانحرافاً عن الحق.
7. إبراز الجوانب الضعيفة والمعقدة والمتضاربة، كالخلاف بين الفرق، وإحياء الشبه وكل ما يثير الفرقة، وإخفاء الجوانب المشرقة والإيجابية وتجاهلها.
8. الاستنتاجات الخاطئة والوهمية وجعلها أحكاماً ثابتة يؤكدها أحدهم المرة تلو الأخرى، ويجتمعون عليها حتى تكاد تكون يقيناً عندهم.
9. النظرة العقلية المادية البحتة التي تعجز عن التعامل مع الحقائق الروحية.
صلتهم بالفكر الإسلامي وأثر تلك الصلة في إثارة الشبه حول السنة
سبق أن الحروب الصليبية كانت نقطة التحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، وأنها الدافع الأساسي للنشاط الاستشراقي المكثف.
ولكن اتصال الغرب بالشرق في ذلك الوقت وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي كان اتصالاً عدائياً مسلحاً، متمثلاً في الحروب الطاحنة التي ظلت آثارها باقية حتى الآن.
وفي نهاية القرن السادس عشر الذي يعتبر منطلق الإصلاح الديني في الغرب، كانت بداية الاتصال الاقتصادي المتمثل في اكتشاف موارد الثروة في العالم الإسلامي، واستغلالها ونقلها إلى الغرب في صورة تبادل تجاري وغير ذلك.
وتبع هذا الاتصال السياسي المتمثل في سيطرة الغرب ونفوذه على العالم الإسلامي حتى بلغ أوجه خلال الفترة ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين، وخلال هذه الفترة الاستعمارية عمل الغربيون على تخلف المسلمين بإبعادهم عن دينهم حتى يتمكنوا من إخضاعهم إخضاعاً تاماً للسيطرة الغربية.
ففي تلك الفترة كان الاستشراق في ذروته لأنه كان مدعوماً من قبل الحكومات الغربية التي كانت توفر لهم الأسباب المعينة على دراسة العلوم الإسلامية حتى يتمكن الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية.
فبحث المستشرقون في كل ما يتصل بالإسلام من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة، وصبغوا كل ذلك بصبغة علمية مما أدى بتلك البحوث والدراسات أن تكون مراجع للكثير من الباحثين في المعاهد والجامعات العالمية.
وقد غزت تلك البحوث العالم الإسلامي في مؤسساته الفكرية والتربوية ومناهج التعليم، وكان العديد من قادة الفكر الإسلامي قد تتلمذوا على أيدي أولئك المستشرقين عن طريق إيفادهم إلى الخارج، أو استقدام المستشرقين إلى البلاد الإسلامية للعمل في المؤسسات الفكرية ومناهج التعليمز
وهكذا ظلت العلاقة قائمة، والصلة وثيقة بين العالم الغربي والفكر الإسلامي، ولكنها علاقة تستهدف الإسلام بدرجة أولى.
والمستشرقون الذين بحثوا في كل جوانب الإسلام لم يغب عنهم أهمية السنة النبوية فقد علموا أنها المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن، وفيها توضيحه وبيانه، ولذا تناولوها بالطعن والتشويه والشبه ليتسنى لهم بعد ذلك أن يتلاعبوا بالقرآن ويؤولوه بما يحلو لهم، فطعنهم في السنة هو في الحقيقة طعن في القرآن وهدم لصرح الإسلام.
وسنعرض في مواضيع لا حقة بإذن الله لأهم شبهات المستشرقين حول السنة، وتفنيد هذه الشبة والرد عليها.
المصدر: موقع إسلام ويب